مؤسسات سعودية لتعزيز الحوار والتواصل بين الثقافات

مؤسسات سعودية لتعزيز الحوار والتواصل بين الثقافات

[ad_1]

ديسمبر 2019، كان وزير العدل السعودي السابق، الأمين العام لـ”رابطة العالم الإسلامي” د. محمد العيسى، يقفُ على منصة التكريم في العاصمة الإماراتية أبوظبي، إلى جوار وزير “التسامح” الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، ورئيس “منتدى تعزيز السلم” الشيخ عبدالله بن بيه، حيث سُلم جائزة “الحسن بن علي الدولية”، وذلك تقديراً لجهوده في تعزيز قيم السلم والتسامح، من خلال جولاته التواصلية مع قيادات روحية متنوعة، والخطاب الديني الذي يعمل على نشره، والذي يُركز على ترسيخ مفاهيم التعددية والتنوع واحترام الآخر.

التواصل النشط

الجائزة التي حازها العيسى كانت إشارة لأهمية الدور الذي يقوم به، خصوصاً أن الأمين العام لـ”رابطة العالم الإسلامي” هو اليوم أحد الوجوه الدينية البارزة في منطقة الخليج، التي تؤسس بهدوء وروية لخطاب تعددي، منفتح على مختلف الأديان والمذاهب، رافض للعنف والتكفير والطائفية.

في هذا السياق، أتى “ملتقى المرجعيات العراقية“، الذي عُقد في مكة المكرمة، 4 أغسطس الجاري، وحظي بدعم مباشر من الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

المتتبع للجهود السعودية خلال السنوات الأخيرة، ولنشاطات الشيخ محمد العيسى، يدرك أن “الملتقى” لم يكن مجرد فعلٍ آني، أو مؤتمر لالتقاط الصور الباسمة! هو حلقة في سلسلة مستمرة من العمل الذي تريد من خلاله السعودية، وعبر “رابطة العالم الإسلامي” محاربة الخطابات المذهبية، وتخفيف مستوى الاحتقان في العالم الإسلامي، والدفع بأن يكون “الدين” قوة للسلام والتعاون، عوض أن يكون أداة للقتل والكراهية كما هو حاله في خطاب الجماعات المتطرفة.

ملتقى المرجعيات العراقية” لقي ترحيباً واسعاً في الأوساط الشعبية والرسمية خليجياً، وتداول جمهور كبير تفاصيل الكلمات والبيان الختامي عبر “شبكات التواصل الاجتماعي”، وهذا دليل على وجود رأي عام واسع بين مختلف المذاهب الإسلامية، ميالٌ للعيش المشترك، ومتململٌ من الصراعات، ويرومُ الاستقرار والأمن، وأن تكون “الأخوة الإنسانية” هي السائدة فيما بين الناس في تعاملاتهم.

متابعون لجهود د. محمد العيسى، قالوا لـ”العربية.نت”، إن هنالك خطوات تواصلية قادمة، وأن التعاون بين المرجعيات الروحية السنية والشيعية سيزداد، واللقاءات ستستمر، وأن لا خيار إلا الشراكة بين هذه القيادات، من أجل حصار الفكر “المتطرف”. وفي هذا السياق، لا يستبعد البعض أن يقوم العيسى بزيارة قريبة إلى العراق، بدعوة رسمية، يلتقي فيها رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والمرجعية الدينية في النجف ممثلة بآية الله علي السيستاني.

مشاريع حوارية

ليس أمين عام “رابطة العالم الإسلامي” هو الشخصية السعودية الوحيدة التي تقود جهود الحوار والتواصل. فهنالك “مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات”، الذي يتخذ من العاصمة النمساوية فيينا مقراً له، وأمينه العام فيصل بن معمر.

فبراير 2020، استقبل الملك سلمان بن عبدالعزيز وفداً من المركز، أشاد فيه بـ”أهمية المركز ودوره في ترسيخ مبادئ الحوار والتعايش بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال والتسامح، ومكافحة كل أشكال التطرف والإرهاب”.

“كايسيد” الذي تأسس كمنظمة دولية العام 2012، يضم في مجلس إدارته عدداً من الشخصيات المتنوعة الجنسيات والأديان والأعراق، لأن المهمة التي يقوم بها تتعدى “الحوار الإسلامي – الإسلامي”، أو “الحوار الإسلامي – المسيحي”، إلى الحوار بين مختلف الثقافات والأديان، سواء كانت ضمن دائرة “الأديان الإبراهيمية” أو خارجها.

المركز، وفي مشاريعه المتنوعة، ترتكز فلسفة عمله على دعامتين رئيسيتين، الأولى “الاعتراف بالاختلاف والتنوع في الرؤى والمفاهيم، وبحرية التعبير عن هذا الإيمان، حيث إن الحوار في رسالته الإنسانية لا يسعى إلى إدانة أو إلى تصحيح أو إلى إزالة الخلافات بين الناس، ولكنه يعمل على إرساء ثقافة احترام التعدد والتنوع على أنها قائمة ومستمرة”، مشدداً على أن “السلام بين البشر لا يكون بإلغاء الاختلافات، بل باحترامها”.

القاعدة الثانية، هي “الاغتناء بقيم ومفاهيم الآخر المختلف. ومهمة الحوار هنا هي مدّ جسور التعارف المتبادل انطلاقاً من الحقائق النسبية التي ينطلق منها المتحاورون تطلعاً إلى الحقيقة الجامعة والمطلقة المتمثلة في مبادئ التعايش والمواطنة المشتركة”.

“كايسيد” تجاوز في مشاريعه الاعتماد على مجرد عقد اجتماعات لـ”القيادات الروحية الكبرى”، وذهب إلى العناية بالقيادات الشابة، وذلك عبر ورش عمل تجمع شباناً وفتياتٍ من دول وأديان وثقافات متباينة، وجعلهم يعيشون تجارب حياتية سوية، لعدة أيام، تبدأ أحياناً بنوع من الحذر والتوجس، وتنتهي بمزيد من القرب وفهم الآخر وتقبله.

حتى بعد عودة المجتمعين إلى دولهم، هنالك نشاطات محلية في كل دولة، إضافة للتواصل مع المتدربين عبر “مجتمع كايسيد”، والعمل حتى خلال فترة جائحة “كورونا” على مشاريع تساعد على تخفيف مشكلات ومعاناة الناس، والتعاون فيها عبر التواصل عن بعد، ولتبدأ كل مجموعة العمل في مجتمعها المحلي مباشرة.

من ملتقى المرجعيات العراقية

الجيل الجديد

“سلام للتواصل الحضاري”، مشروع سعودي تأسس العام 2015، مديره التنفيذي د. فهد السلطان، ويهدف إلى “نشر ثقافة التواصل الحضاري، ومد جسور التواصل مع الشعوب والثقافات المتنوعة، وتعزيز الصورة الذهنية الإيجابية عن المملكة العربية السعودية ومكانتها دولياً”.

يركز “سلام” على الشباب السعودي حديث السن، وعمل ورش تدريب خاصة بهم، وذلك من خلال برامج عدة، أهمها: برنامج تأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي، وبرنامج دراية، والمتحدث الدولي، والمدرب الدولي.

“منتدى سلام السعودية” هو إحدى الفعاليات السنوية التي تُقام، العنوان 5 و”يتضمن عدداً من الأنشطة المتعددة التي تهتم بتعزيز مفاهيم التواصل الحضاري”. وخلاله تكون هنالك لقاءات ونقاشات مع ضيوف من داخل المملكة وخارجها. إلا أن الأهم هو تلك البرامج التي تعقد على مدار العام، ويشارك فيها فتيات وشُبان سعوديون من الجيل الجديد، من مناطق ومذاهب وثقافات متنوعة، يتحاورون فيما بينهم، ويتم تأهيلهم ليكونوا “سفراء سلام”، لأن إنشاء ثقافة مجتمعة تؤمن بالاختلاف وتحترم التعددية مسألة ترتبط بالثقافة والتربية منذ السنين الأولى، وهذا ما تركز عليه “سلام”.

الحوار الداخلي

يد الحوار ليست ممدودة لمن هم خارج حدود السعودية فقط، بل هنالك “مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني”، وأمينه العام د. عبد الله الفوزان، حيث يسعى المركز إلى “تعزيز ثقافة الحوار واحترام الاختلاف والتنوع”، بهدف “المحافظة على الوحدة الوطنية، وحماية النسيج المجتمعي”، وذلك عبر “التواصل الفاعل، والشراكات المثمرة محلّيًا ودولّيًا”.

المركز يهتم بقياس الرأي العام المحلي في قضايا تخص التعايش المشترك، ويقوم أيضاً بعقد لقاءات وطنية، إضافة للأنشطة الشبابية التي يعقدها بين فترة وأخرى في مناطق مختلفة من المملكة.

هذه المؤسسات هي جزء من منظومة عمل أوسع وأكبر، لأن السعودية وضمن رؤية 2030، تسعى إلى أن يكون هنالك مجتمع محلي ودولي أكثر تواصلية، قائم على تغليب المشتركات الإنسانية، واحترام الاختلاف، والبعد عن التعصب والكراهية، وحل المشكلات عبر الحوار، وهي ليست أهدافاً آنية، بل سياسة سعودية مستمرة، وجزء من عملها في الداخل والخارج، إيماناً منها بأن الحوار والتواصل البناء هو الطريق الأمثل للسلم والبعد عن الحروب.

[ad_2]

www.alarabiya.net